الأحد، 27 أبريل 2008

تبلغ 88 عاما تقرأ وتتعلم اللغة وتتوقع ان يكنس العراق حكومة العار



لقاء مع الحاجة أم ميسون – نموذج للسيدة العراقية الأصيلة التي لم تزدها أحداث العراق سوى صلابة وشموخا
موفد الرابطة العراقية في بغداد ::

التقينا بالحاجة أم ميسون ذات الـ 88 عاما في منزلها في أحد أحياء بغداد، وكان منظرها وهي ممسكة بكتاب تقرؤه ينطق بالكثير من الحقائق الراسخة حول أصالة وعراقة الفرد العراقي وثقافته المميزة والتي جاء المحتل للقضاء عليها كهدف أول في سياسته الماكرة لتدمير الشخصية العراقية الرافضة دوما للاحتلال بجميع أشكاله..
وكان لنا معها هذا اللقاء الشيق..
ولدت الحاجة أم ميسون - كما يكنيها الجميع - في 1920 لعائلة عربية موصلية أصيلة من دار (العمري)، لكنها ولدت في ناحية كردية شمال العراق تدعى (أتروش) حيث كان يعمل والدها كاتبا اداريا في وقت بدأت الدولة العراقية الناشئة بادخال النظم الادارية المدنية الى كافة النواحي الكردية وحتى النائية منها، وبذلك فقد أتقنت الحاجة اللغة الكردية والتركية معا إضافة الى لغتها العربية وأسلوبها البلاغي المميز.
وحدثتنا الحاجة كيف تنقل والدها بين نواحي أتروش وبرزان وريكان وزاخو وسنجار حتى استقر به المقام في مدينته الأصلية الموصل.تقول الحاجة: " لم تكن هناك مدارس في أتروش حتى أنشأ والدي مع عدد من زملاءه العرب أول مدرسة ابتدائية للبنات كان عددنا فيها 5 أطفال فقط، وأذكر أنني كنت في الأول ابتدائي وعمري 12 سنة.. وكانت السيدة التي تدرسنا قد أنهت السادس الابتدائي فحسب..! كانت والدتي أمية لاتجيد القراءة أو الكتابة لكن والدي كان يبذل جهدا كبيرا معنا في تعليمنا القراءة والكتابة وقراءة القرآن.. ولأنني البنت الأكبر فقد كانت والدتي تصر أن أشاركها في الأعمال المنزلية المرهقة على حساب دراستي، بل كانت تمزق كتبي أحيانا عندما أصر على الذهاب الى المدرسة.. " أنهيت الرابع المتوسط بنجاح في العشرينيات من عمري ثم تقدم لخطبتي محام متواضع الحال من أبناء الموصل فتركت الدراسة ورافقته الى إحدى مدن الجنوب العراقي حيث كان يعمل موظفا اداريا قبل أن يمارس مهنة الحاماة، وكنت أستمتع بقراءة كتب القانون رغم أني لم أكن أفهم كثيرا منها، ولأنني كنت أمكث طوال العام بعيدة عن أهلي ومدينتي فقد كنت أقضي معظم وقتي في قراءة كل ما يقع تحت يدي..ثم تابعت الحاجة قولها وهي تستجمع ذكرياتها والتي حملت تجاعيد يديها كثيرا منها قائلة:" كانت مكتبة الدار أصغر من أن تشبع نهمي للقراءة، فكنت أذهب الى المكتبة العامة في هذه المحافظة الجنوبية حيث كانت الدولة (في الستينيات) تعتني كثيرا بنشر المكتبات وملئها بأحلى أنواع الكتب.. وكنت آتي الى المنزل بما لذّ وطاب من عناوين الكتب، ورغم أن الله قد رزقني بستة من الأولاد والبنات إلا أنني لم أنقطع عن القراءة والتي أصبحت خير ما يسليني في وحشة غربتي عن مدينتي وأهلي في الموصل. "أما الشعر فكان يستهوي الحاجة أم ميسون كثيرا، وكانت تحفظ منه الكثير وتستشهد به..
نظرت الحاجة من شباك غرفتها الى نخلات تزين حديقتها ثم تنهدت وهي تنشد أبيات من نظم الشاعر (عبدالباقي العمري) :
باسقات النخل في طلع نضيد................... تتهادى كالعذارى في الحلي
لا تسل عما جرى نهر الفرات................... وسلاً دجلة عما قد جرى من عيون نزحتها العبرات................... وعليها حرمت طيب الكرى كم على الكرخ بقلبي حسرات................... عشعشت والحزن فيها وكرا كلما أذكر أبكي كلما...................
فيبل الدمع مني ملبسيفلم نملك حينها ونحن نستمع الى هذه الأبيات المعبرة الا أن نبكي جميعا على ما آل اليه حال بغداد.. لكن الحاجة ماتزال تتمتع بالشدة والصلابة العراقية رغم كل ما مر في حياتها من أحداث جسام تدع الحليم حيران، وأخذت تصف حكام العراق الجدد مستهزئة بهم وهي تنشد قول الشاعر:
أعرض عن الجاهل السفيه ........ فكل ما قاله فيه
ما ضر بحر الفـرات ........ لو خاضت الكلاب فيه؟
وعندما سألنا الحاجة عن مصير العراق في ظل حكومة العملاء والمعممين، قالت سيذهب هؤلاء ويكنسهم العراق كما كنس من كان قبلهم، ولايبقى الا الحق وأهله.. ثم أنشدت قول الشاعر:
أما ترى البحر تعلو فوقه الجيف ...... ويستقر أسفل قاعه الدرر ؟
حينها ضحكنا جميعا وتعجبنا لسرعة بداهة الحاجة ووصفها الدقيق..!نظرنا الى مجاميع الكتب التي اصطفت تنتظر نصيبها من القراءة، فوجدنا كتيبا لتعليم اللغة التركية.. وعندما سألنا الحاجة وهي في الثامنة والثمانين من عمرها عن ذلك قالت: " بدأت أنسى التركية لعدم ممارستي اياها فقررت أن أراجع معلوماتي من خلال هذا الكتيب لأتذكر ما قد أكون نسيته..! "
إن عزيمة وإصرار الحاجة على الانتفاع من وقتها طوال اليوم لهو مثل يحتذى به خصوصا لكثير من الشباب العراقي والذي انشغل بتوافه الأمور من موبايل ومسلسلات ومطربات بعيدا عن الكتاب الهادف والقصة الهادفة والاهتمام الجاد، مما يجعل من انحرافه أو وقوعه بين الافراط والتفريط أو الغلو والتطرف أمرا سهلا ينتفع منه أعداء الوطن.. ولا يسعنا أخيرا الا أن نشكر الحاجة أم ميسون على مقابلتها الممتعة هذه وندعو الله لها بطولة العمر وأن تشهد قريبا باذن الله تحرير العراق واندحار الأعداء وعودة الوطن الحبيب الى أبناءه المخلصين..
http://alressd.maktoobblog.com لمزيد من الاخبار راجع موقعنا

ليست هناك تعليقات: